صورة الإنسان الناقص في شعر ابن الحجاج النيلي البغدادي (ت391هـ)
محتوى المقالة الرئيسي
الملخص
كثيرة هي الدراسات التي اهتمت بدراسة صورة الآخر في التراث العربي، وقد حاولت في هذه الدراسة توسيع مفهوم الآخر، فهو ليس المختلف من ناحية العرق، والدين، والجنس، واللسان، بل هو الآخر المنفلت اجتماعيا، واخلاقيا، وثقافيا. وتطمح هذه الدراسة لصورة الآخر الناقص أن تكون نوعا من الحوار مع الذات، وسبر أغوارها، وتعريتها للكشف عن الممنوع والمرغوب في آن واحد داخل النفس البشرية.
يتحدد مفهوم الإنسان الناقص عبر استحضار نقيضه، الإنسان الكامل. فالنقص والكمال مفهومان متضادان لا يتحقق أحدهما إلا بوجود الآخر. وليس للإنسان الناقص ماهية ثابتة مكتملة ووجود تاريخي، بل يتخذ صورا مختلفة باختلاف المرجعيات التي ينطلق منها سواء أكانت دينية أم فلسفية أم صوفية أم بلاغية إلى غير ذلك. وفي ميدان الأدب قد يتخذ النقصان وجوها مختلفة، فالناقص قد يرتبط بمنزلة الإنسان الاجتماعية، كطبقة العامة، والعوام أصناف وأنواع؛ كالطفيليين والمكدين والمتحامقين والعيارين وغيرهم، وكل من يقوم بأفعال دنيئة؛ كالسرقة والتحيل والتطفيل والكدية، وبعضها الآخر يتعلق بملكات الإنسان الناقصة كالسخف والحمق والجنون. كما قد ينطلق النقصان من الجوانب العقلية متمثلة بالحمق والجنون، أو الناقص جسديا متمثلا بأصحاب العيوب والعاهات، بمعنى أن المؤسسة الأدبية اهتمت بالنقصان بشقيه الخُلقي والخِلقي.
ووقع اختيارنا على شخصية ابن الحجاج، ليمثل الإنسان الناقص لسبيين: أولها؛ أن ابن الحجاج شخصية عجيبة جاءت على غير سابق مثال. وثانيهما: أن لشعره أهمية كبيرة، جمع الشاعر عبره شتى المساوئ والنواقص الإنسانية التي لم تحظ إلا بالنزر اليسير من الأبحاث. فظلَّ شعره مغمورا تقريبا، ولعلّ ذلك راجع إلى ما يحتويه هذا الشعر من خطاب يسمه الفحش، والإقذاع، والإغراق في فضح القبيح مما لا تستسيغه الذائقة المحافظة.