الاستدلال على المعنى عند بول غرايس في نظرية المحادثة
محتوى المقالة الرئيسي
الملخص
شهد النصف الثاني من القرن العشرين حركة دؤوبة في مجال البحث اللساني، وفي هذا الإطار ظهرت نظريات لغوية مختلفة، كان سعيها اتجاه دراسة الظاهرة اللغوية دراسة علمية، يمكن أن تحقق نتائج علمية ملموسة، على النحو الذي تحقق للعلوم التجريبية. وقد حققت هذه النظريات نتائج طيبة في هذا المجال من عبر مناهج تحليل وتأويل مختلفة. لكنّها لم تحقق نتائج حاسمة في مجال بحثها في المعنى وتأويله والاستدلال عليه. حتى أنّ بعض النظريات قد أهملت جانب المعنى من دراساتها اللغوية مدّعية أنّه لا يقع في مجال بحثها؛ إذ ليس له منوال شكلي يمكن أن يخضع للملاحظة والتجريب. لكنّ هذا الوضع لم يدم طويلا حتى ظهرت النظرية البراغماتية التي تبنت الانفتاح على الخارج عبر مرجعيات مختلفة تغذيها أنساق معرفية واجتماعية وثقافية واعتقادية... من هنا لم يعد المعنى تجريديا بل صار يحتفظ بملامح الحواضن التي أنتج فيها، وإعادة إنتاجه عبر آليات تأويل واستدلال مختلفة... لقد كان لأبحاث (فتخنشتاين) في الفلسفة التحليلية أثر في ظهور أكثر المفاهيم البراغماتية، إذ كان لنظريته(المعنى في الاستعمال) أثر في تكريس مفهوم المعنى المتحوّل، الذي تبنى فكرته (غرايس) عندما وجد أنّ الناس يقصدون أكثر مما يقولون، وأنهم يقولون شيئا ويعنون شيئا آخر. فبرزت عنده ظاهرة الاستلزام الحواري من جراء انتهاك مبدأ أو أكثر من مبادئ التعاون؛ ثم تتبع ذلك المعنى المضمر المنتج من جراء ذلك الانتهاك عبر سلسلة من الاستدلالات. إنّ الفكرة التي يدور حولها هذا الموضوع تتعلّق بالاستدلالات التي قدّمها (غرايس) في تتبع المعنى المعلن وغير المعلن في نظريته في المحادثة، والمفاهيم التي ظهرت من جراء البحث في هذه النظرية؛ كمبدأ التعاون، والاستلزام الحواري، والمعنى المضمر، إلى غير ذلك.